صراع العملات: هل يحافظ اليورو على صموده أم سيتراجع أمام الدولار؟

في سوق الفوركس، لا يوجد زوج عملات يعكس التوازن الاقتصادي العالمي بمثل ما يفعله EUR/USD، فهو ليس مجرد نسبة صرف، بل هو مرآة حقيقية تعكس الفجوة بين اقتصادين يتنافسان على جذب الاستثمارات العالمية. ومع دخول الأسواق المرحلة الأخيرة من عام 2025، تحتدم المعركة بين البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، وكل قرار نقدي يصدره أحدهما ينعكس فوراً على سعر الدولار باليورو.

على مدار الأشهر الماضية، تحرك EUR/USD ضمن نطاق ضيق نسبياً، حيث تراوح بين مستوى دعم قوي عند 1.1550 ومستوى مقاومة رئيسي حول 1.17، وكل حركة صغيرة داخل هذا النطاق كانت مرتبطة بتصريح من الفيدرالي الأمريكي أو قرار من المركزي الأوروبي، أو حتى بيانات تضخم طفيفة.

المعادلة الصعبة: من سيخفض الفائدة أولاً؟

الحقيقة المر أن البنك المركزي الأوروبي يواجه معضلة حقيقية: إما أن يخفف الضغط النقدي لدعم اقتصاد متعثر، أو أن يبقى متشدداً خوفاً من عودة التضخم. فقد حافظ على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي، مؤكداً أن المستوى الحالي “مناسب في الوقت الراهن”، خاصة مع بقاء التضخم قريباً من 2.6%، أي أعلى قليلاً من الهدف البالغ 2%.

لكن الفيدرالي الأمريكي يسير في طريق مختلف تماماً، فبينما تتوقع الأسواق خفضات متتالية لأسعار الفائدة الأمريكية ابتداءً من ديسمبر 2025، يبدو أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يحتفظ بقدر لافت من المرونة. شهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً تجاوز 2.1% في النصف الأول من العام، بينما انخفض معدل البطالة إلى نحو 4%، وهو ما يعطي الفيدرالي الحيثية لتأخير التخفيفات.

هذا التباين في السياسة النقدية هو المحرك الأساسي لضغط اليورو. فروق العائد بين السندات الأمريكية والأوروبية تصب حالياً في مصلحة الدولار، حيث تقترب الفائدة الفعلية الأمريكية من 4% مقابل نحو 3.25% في منطقة اليورو، وهذا يجعل الأصول المقومة بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين.

البيانات الاقتصادية: قصة بطلان مختلفة في كل جانب

على الجانب الأميركي، الأرقام تحكي قصة استقرار نسبي. مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) سجل 2.9% سنوياً في أغسطس، وهي قراءة أعلى من الهدف المستهدف، ما يعني أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال بحاجة إلى التحرك بحذر قبل البدء في تخفيفات كبيرة.

أما في أوروبا، فالصورة أكثر قتامة. ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، شهدت تراجعاً في الإنتاج الصناعي بنسبة 0.3% خلال سبتمبر، وانكمشت مؤشرات نشاط المشتريات في كل من الصناعة والخدمات إلى ما دون مستوى 50 نقطة (الفاصل بين النمو والركود) لأربعة أشهر متتالية.

في فرنسا، الوضع ليس أفضل: معدل البطالة عالق بالقرب من 7.5%، ومبيعات التجزئة تتراجع تدريجياً، ما يشير إلى تآكل في القوة الشرائية للمستهلكين الأوروبيين.

العامل الجيوسياسي: لماذا يفضل المستثمرون الدولار عند الأزمات؟

لكن الأرقام وحدها لا تحكي كل القصة. العوامل الجيوسياسية تلعب دوراً محورياً في تحديد مسار سعر الدولار باليورو. الحرب الروسية الأوكرانية لم تنته، والأزمات المتكررة في البحر الأسود تعيد تسخين أسواق الطاقة.

أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي ارتفعت بنسبة قرب 12% في أكتوبر 2025، وفقاً لبيانات ICE Dutch TTF، وهو مؤشر تسعير الغاز الأوروبي الرئيسي. هذا الارتفاع مدفوع بموجة برودة مبكرة وتراجع الإمدادات من النرويج. بحسب وكالة الطاقة الدولية، قد يضيف هذا بين 0.3 و0.4 نقطة مئوية إلى التضخم الأوروبي بحلول نهاية العام.

عندما تتصاعد التوترات الجيوسياسية، يعود المستثمرون إلى الدولار كملاذ آمن. هذا النمط تكرر بوضوح في أكتوبر عندما ارتفع مؤشر الدولار بحوالي 1.2% خلال أسبوع واحد فقط، بينما تراجع اليورو إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع قرب 1.1570.

التحليل الفني: إشارات محبطة في الأفق القريب

من الناحية الفنية، EUR/USD يتحرك ضمن نطاق تجميع أفقي يفتقر إلى الزخم الحقيقي. الزوج يتعامل مع مستويات دعم رئيسية عند 1.1367 ثم 1.1186، ومستويات مقاومة عند 1.1711 ثم 1.1913.

مؤشر القوة النسبية (RSI) متمركز حول 40، وهو يشير إلى غياب اتجاه قوي وحالة من الارتباك السوقي. مؤشر MACD يظهر تقاطعاً ضعيفاً في الاتجاه الهابط، ما يوحي بأن أي حركة قادمة قد تكون تصحيحية أكثر من أن تكون حقيقية.

بيانات لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية (CFTC) كشفت أن مراكز المضاربة على اليورو انخفضت بنسبة 12% في أكتوبر، دليل واضح على أن المستثمرين أصبحوا أقل تفاؤلاً بشأن العملة الأوروبية في الأجل القريب.

السيناريوهات المحتملة في ديسمبر

البنك المركزي الأوروبي سيعقد اجتماعه الأخير لعام 2025 في 12 ديسمبر. العقود الآجلة في بورصة يوركس تسعر احتمالاً حول 35% لخفض الفائدة مقابل 65% لاحتمال التثبيت.

السيناريو الأول: الخفض المفاجئ إذا خفض المركزي الأوروبي الفائدة قبل الفيدرالي، قد يتعرض اليورو لضغط فوري حيث ستتسع الفجوة في العائدات. بعض المحللين يتوقعون أن يهبط EUR/USD نحو 1.14 على المدى القصير.

السيناريو الثاني: التثبيت مع إشارات تيسيرية قد يختار المركزي تثبيت الفائدة مع الإشارة إلى استعداد للخفض في الربع الأول من 2026. في هذه الحالة، قد يعطي اليورو دولار متنفساً مؤقتاً ويرتفع تدريجياً نحو 1.17.

السيناريو الثالث: التشدد المستمر إذا أصر المركزي على الانتظار حتى منتصف 2026، قد يدعم ذلك الدولار مؤقتاً لكنه سيعمق الضغط على الاقتصادات الأوروبية الضعيفة.

المقترب المحتمل حتى نهاية العام

في الواقع، يظل سعر الدولار باليورو مرتبطاً بعوامل متعددة لا يمكن التنبؤ بها بسهولة. النطاق 1.15 إلى 1.18 من المرجح أن يظل السائد حتى نهاية 2025، مع احتمالات محدودة لاختراقات قوية ما لم تتغير اللهجة النقدية بشكل جذري من أحد الطرفين.

السؤال الأساسي ليس إلى أين سيتجه الزوج، بل أي من العملتين سيخسر ثقة الأسواق أولاً. إذا بدأ الاقتصاد الأميركي يظهر علامات ركود واضحة، سيكون الدولار أول من يتراجع. لكن إذا استمر ضعف النشاط الصناعي الأوروبي، فسيكون اليورو هو الخاسر الأكبر.

في النهاية، EUR/USD أكثر من مجرد زوج عملات: إنه انعكاس مباشر للمزاج المالي العالمي، حيث التفاؤل يدعم اليورو والخوف يعيد الدولار إلى الصدارة.

قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
  • أعجبني
  • تعليق
  • إعادة النشر
  • مشاركة
تعليق
0/400
لا توجد تعليقات
  • Gate Fun الساخن

    عرض المزيد
  • القيمة السوقية:$3.53Kعدد الحائزين:2
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.56Kعدد الحائزين:2
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.53Kعدد الحائزين:2
    0.04%
  • القيمة السوقية:$3.5Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.5Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • تثبيت