لماذا ارتفعت قيمة الذهب بأكثر من 120 ضعفًا؟ قصة ارتفاع وانخفاض نصف قرن
الذهب منذ القدم هو أحد أهم الأصول في حضارة الإنسان. ويُعزى تقديره العالي إلى كثافته العالية، ومرونته القوية، ومتانته الفائقة، بالإضافة إلى امتلاكه خصائص متعددة تشمل العملة، والمجوهرات، والسلع الصناعية. خلال التغيرات الاقتصادية في نصف القرن الماضي، أظهر سعر الذهب التاريخي مسارًا صاعدًا مذهلاً.
من عام 1971 حتى الآن، شهد الذهب ارتفاعًا من 35 دولارًا للأونصة إلى أكثر من 4300 دولار في عام 2025، محققًا زيادة تزيد عن 120 ضعفًا. خاصة في العام الأخير، ومع التوترات الجيوسياسية، وزيادة احتياطيات البنوك المركزية، وتراجع قيمة الدولار، سجل سعر الذهب ارتفاعات قياسية، حيث تجاوزت نسبة الارتفاع خلال عام 2024 أكثر من 104%.
ما السر وراء هذا الارتفاع السريع في سعر الذهب خلال هذه الفترة؟ الجواب يبدأ من اللحظة الحاسمة في عام 1971 التي غيرت النظام المالي العالمي.
انهيار نظام بريتون وودز: نقطة التحول في فك ارتباط الذهب بالدولار
بعد الحرب العالمية الثانية، قادت الولايات المتحدة إنشاء نظام تسوية التجارة الدولية الذي يركز على الدولار — نظام بريتون وودز. وفقًا لهذا النظام، كان الدولار مرتبطًا بالذهب، حيث تم تحديد أن الأونصة من الذهب يمكن أن تُبادل مقابل 35 دولارًا، وكانت العملات الأخرى مرتبطة بالدولار، مما جعل الدولار هو شهادة استبدال الذهب.
لكن مع تزايد الطلب العالمي على التجارة، لم تستطع عمليات استخراج الذهب تلبية الطلب، وواجهت الولايات المتحدة تدفقات هائلة من الذهب الخارج. في 15 أغسطس 1971، ألقى الرئيس نيكسون خطابًا تلفزيونيًا أعلن فيه وقف تبادل الدولار مع الذهب. كان هذا القرار علامة على انهيار نظام بريتون وودز رسميًا، وفتح عصر تقلبات سعر الذهب الحرة.
الموجات الأربع الكبرى لارتفاع سعر الذهب في التاريخ
على مدى أكثر من خمسين عامًا، مر الذهب بأربع فترات واضحة من الصعود، كل واحدة منها تتوافق مع تغييرات اقتصادية وسياسية كبرى.
الموجة الأولى: أزمة الثقة في أوائل السبعينيات (1970-1975)
بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب، بدأ الناس يفقدون الثقة بالدولار. في بداية الانفصال، بسبب مخاوف من أن يفقد الدولار قيمته مثل الورق الممزق، توجه الكثيرون لشراء الذهب. ارتفع سعر الذهب من 35 دولارًا إلى 183 دولارًا، محققًا زيادة تزيد عن 400%. ثم اندلعت أزمة النفط في الشرق الأوسط، وزادت الولايات المتحدة من عرض النقود لشراء النفط، مما رفع سعر الذهب مجددًا. ومع زوال الأزمة، أدرك الناس أن الدولار لا يزال له قيمة عملية، فانخفض سعر الذهب إلى حوالي 100 دولار.
الموجة الثانية: اضطرابات جيوسياسية في أواخر السبعينيات (1976-1980)
تسببت أزمات النفط في الشرق الأوسط، وأزمة الرهائن في إيران، وغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، في ركود اقتصادي عالمي، وارتفعت معدلات التضخم في الدول الغربية بشكل حاد. عاد الذهب ليصبح ملاذًا آمنًا، وارتفع من 104 دولارات إلى 850 دولارًا، محققًا ارتفاعًا يزيد عن 700%. لكن التضخم المفرط أدى إلى ارتفاع مبالغ فيه في الأسعار، وبعد زوال الأزمة وتفكك الاتحاد السوفيتي، عاد سعر الذهب للانخفاض، وظل يتراوح بين 200 و300 دولار خلال حوالي 20 عامًا.
الموجة الثالثة: سوق الثور الطويلة في بداية الألفية الجديدة (2001-2011)
بعد هجمات 11 سبتمبر، زادت اليقظة العالمية، وبدأت الولايات المتحدة حربًا طويلة على الإرهاب، مما أدى إلى إنفاق عسكري ضخم. لتمويل الحرب، خفضت الولايات المتحدة أسعار الفائدة وأصدرت ديونًا، ثم أدت إلى فقاعة العقارات، وأدت في النهاية إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008. لإنقاذ الاقتصاد، نفذت الولايات المتحدة سياسة التخفيف الكمي، مما دفع الذهب إلى سوق ثور استمر 10 سنوات، حيث ارتفع من 260 دولارًا إلى 1921 دولارًا، محققًا زيادة تزيد عن 700%.
الموجة الرابعة: عصر المخاطر المتعددة (2015 حتى الآن)
خلال العقد الأخير، عاد الذهب للارتفاع، من 1060 دولارًا إلى أكثر من 2000 دولار. أدت أسعار الفائدة السلبية، وتوجهات التخلص من الدولار عالميًا، وتيسير السياسة النقدية الأمريكية الجديدة، وحرب روسيا وأوكرانيا، وتدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، إلى جعل الذهب مفضلًا للمؤسسات والبنوك المركزية. في عام 2024، شهد السوق ارتفاعًا غير مسبوق، حيث قفز سعر الذهب خلال شهور قليلة إلى 2800 دولار، وتجاوز 4300 دولار في 2025.
عائدات استثمار الذهب: كيف تقارن بالأسهم والسندات؟
من منظور طويل الأمد على مدى 50 عامًا، لا تقل عائدات استثمار الذهب عن الأسهم. منذ 1971، ارتفع الذهب بمقدار 120 ضعفًا، بينما ارتفع مؤشر داو جونز من حوالي 900 نقطة إلى حوالي 46000 نقطة، بزيادة تقارب 51 ضعفًا. يبدو أن الذهب يتفوق، لكن هذا الاستنتاج يعتمد على شروط معينة.
لكن البيانات خلال الثلاثين عامًا الماضية تظهر أن العائد من الأسهم كان أفضل، يليه الذهب، ثم السندات في المركز الأخير. عائدات الذهب تأتي بشكل رئيسي من فرق السعر، لأنه لا يوزع أرباحًا، بينما السندات توفر عائدًا ثابتًا، مع أقل مستوى من المخاطر، والأسهم تعتمد على نمو الشركات، وتتطلب مهارات اختيار طويلة الأمد.
من حيث سهولة الاستثمار، السندات هي الأسهل، تليها الذهب، ثم الأسهم. لكن إذا تمكنت من التقاط الاتجاهات الكبرى للذهب — والتي غالبًا تتكرر في دورات سوقية طويلة الأمد، مثل سوق صاعد طويل، تصحيح حاد، تجميع، ثم سوق صاعد جديد — فإن العائد غالبًا يتفوق على الأسهم والسندات.
دور الذهب في مختلف دورات الاقتصاد
هناك قاعدة خبرة بين المشاركين في السوق: في فترات النمو الاقتصادي، يُفضل الاستثمار في الأسهم، وفي فترات الركود، يُفضل الاستثمار في الذهب.
عند ازدهار الاقتصاد، تتوقع الشركات أرباحًا جيدة، ويجذب المستثمرون الأسهم، بينما يكون الاهتمام بالسندات والذهب أقل. وعند الركود، تنخفض جاذبية الأسهم، ويبدأ المستثمرون في التوجه نحو الذهب كوسيلة للحفاظ على القيمة، والسندات ذات العائد الثابت.
القاعدة بسيطة: الأحداث المفاجئة مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم، ورفع أسعار الفائدة، يمكن أن تغير توقعات السوق في أي وقت. إذا كانت محفظتك تتضمن نسبًا مناسبة من الأسهم، والسندات، والذهب، فستتمكن من تقليل مخاطر تقلبات الأصول، مما يجعل استثمارك أكثر استقرارًا.
هل الاستثمار في الذهب طويل الأمد أم تداولات مرحلية؟
قبل الاستثمار في الذهب، يجب أن تدرك أن أسعار الذهب لا تتبع مسارًا خطيًا ثابتًا. خلال الفترة من 1980 إلى 2000، ظل سعر الذهب يتراوح بين 200 و300 دولار، وإذا اشترى المستثمر في ذلك الوقت واحتفظ، فلن يحقق أرباحًا. كم من العمر يمكن أن ينتظر 50 عامًا؟
لذا، يُعد الذهب أداة استثمار ممتازة، لكنه أكثر ملاءمة للاستفادة من تقلبات السوق، وليس مجرد الاحتفاظ به طويلًا بدون تغيير. ومن الجدير بالذكر أن تكلفة استخراج الذهب وصعوبته تزداد مع مرور الوقت، وأن التصحيحات بعد كل سوق صاعد غالبًا تكون أعلى من السابقة. هذا يعني أن الذهب قد يتعرض لتصحيحات، لكنه من غير المرجح أن ينخفض إلى قيمة تافهة، ويجب على المستثمرين استغلال هذه القاعدة في توقيت الدخول والخروج.
طرق الاستثمار في الذهب: نظرة عامة
وفقًا لاحتياجات الاستثمار وحجم رأس المال، يمكن تصنيف طرق الاستثمار في الذهب إلى خمس فئات:
1. الذهب المادي
شراء سبائك الذهب أو الذهب الملموس مباشرة، من مميزاته إخفاء الأصول واستخدامه في المجوهرات، لكن عيوبه ضعف السيولة وصعوبة التسييل.
2. شهادات الذهب
مشابهة لشهادات الودائع القديمة، وهي وثائق تخزين الذهب. من مميزاتها سهولة الحمل، لكن البنوك لا تدفع فائدة، والفرق بين الشراء والبيع كبير، وتناسب بشكل أكبر المستثمرين على المدى الطويل.
3. صناديق ETF للذهب
تتمتع بسيولة أعلى بكثير من الشهادات، وتوفر سهولة في التداول، ويحصل المالك على أسهم تمثل الأونصة المشتراة، لكن الشركات المصدرة تفرض رسوم إدارة، وقيمتها قد تتراجع ببطء مع مرور الوقت.
4. العقود الآجلة وعقود الفروقات (CFD)
هي الأدوات الأكثر استخدامًا للمستثمرين الأفراد. تعتمد على هامش التداول، وتكاليف منخفضة، وتدعم التداول الثنائي، وتتيح للمستثمرين الصغار المشاركة. CFD مرن جدًا، ويستخدم نظام T+0 للدخول والخروج في أي وقت، مع إمكانية وضع أوامر وقف الخسارة والربح.
5. صناديق الاستثمار في الذهب
تستثمر في أصول مرتبطة بالذهب من خلال صناديق، وتوفر تنويعًا للمخاطر، لكنها تتطلب رسومًا أعلى.
للمستثمرين الراغبين في الاستفادة من تقلبات السوق قصيرة الأمد، فإن العقود الآجلة أو عقود الفروقات تعتبر الخيار الأفضل، لأنها توفر الرافعة المالية، وتكاليف منخفضة، ومرونة في توقيت التداول، وعتبات دخول منخفضة.
التوقعات المستقبلية: هل سيستمر الذهب في الارتفاع خلال الخمسين عامًا القادمة؟
من خلال مسار سعر الذهب التاريخي، فإن كل ارتفاع كبير كان ناتجًا عن حدث مهم — أزمة ثقة في العملة، نزاعات جيوسياسية، ركود اقتصادي، وغيرها. مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط، والصراع الروسي الأوكراني، وسياسات الرسوم الجمركية الأمريكية، وتقلبات سوق الأسهم العالمية، وتراجع الدولار، فإن البنوك المركزية تواصل زيادة احتياطيات الذهب.
هذه العوامل تشير إلى أن الذهب قد يظل قويًا نسبيًا، لكن من الصعب تحديد ما إذا كان سيحقق ارتفاعًا بمقدار 120 ضعفًا مرة أخرى خلال الخمسين سنة القادمة. الأمر يعتمد على: هل ستشهد الأنظمة الاقتصادية تغييرات جذرية، وهل ستستمر الاضطرابات الجيوسياسية، وهل ستغير التكنولوجيا الطلب على الذهب.
على أي حال، من غير المرجح أن يتغير مكانة الذهب كملاذ آمن وأداة للتداول بالفروقات. على المستثمرين أن يختاروا استراتيجيتهم بناءً على قدرتهم على تحمل المخاطر، وأفق استثمارهم، وظروف السوق، سواء بالمشاركة في السوق الصاعد أو باستخدامه كأداة دفاعية في إدارة الأصول.
شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
مراجعة ارتفاع الذهب على مدى خمسين عامًا | من بريتون وودز إلى أعلى مستوى تاريخي في 2025
لماذا ارتفعت قيمة الذهب بأكثر من 120 ضعفًا؟ قصة ارتفاع وانخفاض نصف قرن
الذهب منذ القدم هو أحد أهم الأصول في حضارة الإنسان. ويُعزى تقديره العالي إلى كثافته العالية، ومرونته القوية، ومتانته الفائقة، بالإضافة إلى امتلاكه خصائص متعددة تشمل العملة، والمجوهرات، والسلع الصناعية. خلال التغيرات الاقتصادية في نصف القرن الماضي، أظهر سعر الذهب التاريخي مسارًا صاعدًا مذهلاً.
من عام 1971 حتى الآن، شهد الذهب ارتفاعًا من 35 دولارًا للأونصة إلى أكثر من 4300 دولار في عام 2025، محققًا زيادة تزيد عن 120 ضعفًا. خاصة في العام الأخير، ومع التوترات الجيوسياسية، وزيادة احتياطيات البنوك المركزية، وتراجع قيمة الدولار، سجل سعر الذهب ارتفاعات قياسية، حيث تجاوزت نسبة الارتفاع خلال عام 2024 أكثر من 104%.
ما السر وراء هذا الارتفاع السريع في سعر الذهب خلال هذه الفترة؟ الجواب يبدأ من اللحظة الحاسمة في عام 1971 التي غيرت النظام المالي العالمي.
انهيار نظام بريتون وودز: نقطة التحول في فك ارتباط الذهب بالدولار
بعد الحرب العالمية الثانية، قادت الولايات المتحدة إنشاء نظام تسوية التجارة الدولية الذي يركز على الدولار — نظام بريتون وودز. وفقًا لهذا النظام، كان الدولار مرتبطًا بالذهب، حيث تم تحديد أن الأونصة من الذهب يمكن أن تُبادل مقابل 35 دولارًا، وكانت العملات الأخرى مرتبطة بالدولار، مما جعل الدولار هو شهادة استبدال الذهب.
لكن مع تزايد الطلب العالمي على التجارة، لم تستطع عمليات استخراج الذهب تلبية الطلب، وواجهت الولايات المتحدة تدفقات هائلة من الذهب الخارج. في 15 أغسطس 1971، ألقى الرئيس نيكسون خطابًا تلفزيونيًا أعلن فيه وقف تبادل الدولار مع الذهب. كان هذا القرار علامة على انهيار نظام بريتون وودز رسميًا، وفتح عصر تقلبات سعر الذهب الحرة.
الموجات الأربع الكبرى لارتفاع سعر الذهب في التاريخ
على مدى أكثر من خمسين عامًا، مر الذهب بأربع فترات واضحة من الصعود، كل واحدة منها تتوافق مع تغييرات اقتصادية وسياسية كبرى.
الموجة الأولى: أزمة الثقة في أوائل السبعينيات (1970-1975)
بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب، بدأ الناس يفقدون الثقة بالدولار. في بداية الانفصال، بسبب مخاوف من أن يفقد الدولار قيمته مثل الورق الممزق، توجه الكثيرون لشراء الذهب. ارتفع سعر الذهب من 35 دولارًا إلى 183 دولارًا، محققًا زيادة تزيد عن 400%. ثم اندلعت أزمة النفط في الشرق الأوسط، وزادت الولايات المتحدة من عرض النقود لشراء النفط، مما رفع سعر الذهب مجددًا. ومع زوال الأزمة، أدرك الناس أن الدولار لا يزال له قيمة عملية، فانخفض سعر الذهب إلى حوالي 100 دولار.
الموجة الثانية: اضطرابات جيوسياسية في أواخر السبعينيات (1976-1980)
تسببت أزمات النفط في الشرق الأوسط، وأزمة الرهائن في إيران، وغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، في ركود اقتصادي عالمي، وارتفعت معدلات التضخم في الدول الغربية بشكل حاد. عاد الذهب ليصبح ملاذًا آمنًا، وارتفع من 104 دولارات إلى 850 دولارًا، محققًا ارتفاعًا يزيد عن 700%. لكن التضخم المفرط أدى إلى ارتفاع مبالغ فيه في الأسعار، وبعد زوال الأزمة وتفكك الاتحاد السوفيتي، عاد سعر الذهب للانخفاض، وظل يتراوح بين 200 و300 دولار خلال حوالي 20 عامًا.
الموجة الثالثة: سوق الثور الطويلة في بداية الألفية الجديدة (2001-2011)
بعد هجمات 11 سبتمبر، زادت اليقظة العالمية، وبدأت الولايات المتحدة حربًا طويلة على الإرهاب، مما أدى إلى إنفاق عسكري ضخم. لتمويل الحرب، خفضت الولايات المتحدة أسعار الفائدة وأصدرت ديونًا، ثم أدت إلى فقاعة العقارات، وأدت في النهاية إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008. لإنقاذ الاقتصاد، نفذت الولايات المتحدة سياسة التخفيف الكمي، مما دفع الذهب إلى سوق ثور استمر 10 سنوات، حيث ارتفع من 260 دولارًا إلى 1921 دولارًا، محققًا زيادة تزيد عن 700%.
الموجة الرابعة: عصر المخاطر المتعددة (2015 حتى الآن)
خلال العقد الأخير، عاد الذهب للارتفاع، من 1060 دولارًا إلى أكثر من 2000 دولار. أدت أسعار الفائدة السلبية، وتوجهات التخلص من الدولار عالميًا، وتيسير السياسة النقدية الأمريكية الجديدة، وحرب روسيا وأوكرانيا، وتدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، إلى جعل الذهب مفضلًا للمؤسسات والبنوك المركزية. في عام 2024، شهد السوق ارتفاعًا غير مسبوق، حيث قفز سعر الذهب خلال شهور قليلة إلى 2800 دولار، وتجاوز 4300 دولار في 2025.
عائدات استثمار الذهب: كيف تقارن بالأسهم والسندات؟
من منظور طويل الأمد على مدى 50 عامًا، لا تقل عائدات استثمار الذهب عن الأسهم. منذ 1971، ارتفع الذهب بمقدار 120 ضعفًا، بينما ارتفع مؤشر داو جونز من حوالي 900 نقطة إلى حوالي 46000 نقطة، بزيادة تقارب 51 ضعفًا. يبدو أن الذهب يتفوق، لكن هذا الاستنتاج يعتمد على شروط معينة.
لكن البيانات خلال الثلاثين عامًا الماضية تظهر أن العائد من الأسهم كان أفضل، يليه الذهب، ثم السندات في المركز الأخير. عائدات الذهب تأتي بشكل رئيسي من فرق السعر، لأنه لا يوزع أرباحًا، بينما السندات توفر عائدًا ثابتًا، مع أقل مستوى من المخاطر، والأسهم تعتمد على نمو الشركات، وتتطلب مهارات اختيار طويلة الأمد.
من حيث سهولة الاستثمار، السندات هي الأسهل، تليها الذهب، ثم الأسهم. لكن إذا تمكنت من التقاط الاتجاهات الكبرى للذهب — والتي غالبًا تتكرر في دورات سوقية طويلة الأمد، مثل سوق صاعد طويل، تصحيح حاد، تجميع، ثم سوق صاعد جديد — فإن العائد غالبًا يتفوق على الأسهم والسندات.
دور الذهب في مختلف دورات الاقتصاد
هناك قاعدة خبرة بين المشاركين في السوق: في فترات النمو الاقتصادي، يُفضل الاستثمار في الأسهم، وفي فترات الركود، يُفضل الاستثمار في الذهب.
عند ازدهار الاقتصاد، تتوقع الشركات أرباحًا جيدة، ويجذب المستثمرون الأسهم، بينما يكون الاهتمام بالسندات والذهب أقل. وعند الركود، تنخفض جاذبية الأسهم، ويبدأ المستثمرون في التوجه نحو الذهب كوسيلة للحفاظ على القيمة، والسندات ذات العائد الثابت.
القاعدة بسيطة: الأحداث المفاجئة مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم، ورفع أسعار الفائدة، يمكن أن تغير توقعات السوق في أي وقت. إذا كانت محفظتك تتضمن نسبًا مناسبة من الأسهم، والسندات، والذهب، فستتمكن من تقليل مخاطر تقلبات الأصول، مما يجعل استثمارك أكثر استقرارًا.
هل الاستثمار في الذهب طويل الأمد أم تداولات مرحلية؟
قبل الاستثمار في الذهب، يجب أن تدرك أن أسعار الذهب لا تتبع مسارًا خطيًا ثابتًا. خلال الفترة من 1980 إلى 2000، ظل سعر الذهب يتراوح بين 200 و300 دولار، وإذا اشترى المستثمر في ذلك الوقت واحتفظ، فلن يحقق أرباحًا. كم من العمر يمكن أن ينتظر 50 عامًا؟
لذا، يُعد الذهب أداة استثمار ممتازة، لكنه أكثر ملاءمة للاستفادة من تقلبات السوق، وليس مجرد الاحتفاظ به طويلًا بدون تغيير. ومن الجدير بالذكر أن تكلفة استخراج الذهب وصعوبته تزداد مع مرور الوقت، وأن التصحيحات بعد كل سوق صاعد غالبًا تكون أعلى من السابقة. هذا يعني أن الذهب قد يتعرض لتصحيحات، لكنه من غير المرجح أن ينخفض إلى قيمة تافهة، ويجب على المستثمرين استغلال هذه القاعدة في توقيت الدخول والخروج.
طرق الاستثمار في الذهب: نظرة عامة
وفقًا لاحتياجات الاستثمار وحجم رأس المال، يمكن تصنيف طرق الاستثمار في الذهب إلى خمس فئات:
1. الذهب المادي
شراء سبائك الذهب أو الذهب الملموس مباشرة، من مميزاته إخفاء الأصول واستخدامه في المجوهرات، لكن عيوبه ضعف السيولة وصعوبة التسييل.
2. شهادات الذهب
مشابهة لشهادات الودائع القديمة، وهي وثائق تخزين الذهب. من مميزاتها سهولة الحمل، لكن البنوك لا تدفع فائدة، والفرق بين الشراء والبيع كبير، وتناسب بشكل أكبر المستثمرين على المدى الطويل.
3. صناديق ETF للذهب
تتمتع بسيولة أعلى بكثير من الشهادات، وتوفر سهولة في التداول، ويحصل المالك على أسهم تمثل الأونصة المشتراة، لكن الشركات المصدرة تفرض رسوم إدارة، وقيمتها قد تتراجع ببطء مع مرور الوقت.
4. العقود الآجلة وعقود الفروقات (CFD)
هي الأدوات الأكثر استخدامًا للمستثمرين الأفراد. تعتمد على هامش التداول، وتكاليف منخفضة، وتدعم التداول الثنائي، وتتيح للمستثمرين الصغار المشاركة. CFD مرن جدًا، ويستخدم نظام T+0 للدخول والخروج في أي وقت، مع إمكانية وضع أوامر وقف الخسارة والربح.
5. صناديق الاستثمار في الذهب
تستثمر في أصول مرتبطة بالذهب من خلال صناديق، وتوفر تنويعًا للمخاطر، لكنها تتطلب رسومًا أعلى.
للمستثمرين الراغبين في الاستفادة من تقلبات السوق قصيرة الأمد، فإن العقود الآجلة أو عقود الفروقات تعتبر الخيار الأفضل، لأنها توفر الرافعة المالية، وتكاليف منخفضة، ومرونة في توقيت التداول، وعتبات دخول منخفضة.
التوقعات المستقبلية: هل سيستمر الذهب في الارتفاع خلال الخمسين عامًا القادمة؟
من خلال مسار سعر الذهب التاريخي، فإن كل ارتفاع كبير كان ناتجًا عن حدث مهم — أزمة ثقة في العملة، نزاعات جيوسياسية، ركود اقتصادي، وغيرها. مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط، والصراع الروسي الأوكراني، وسياسات الرسوم الجمركية الأمريكية، وتقلبات سوق الأسهم العالمية، وتراجع الدولار، فإن البنوك المركزية تواصل زيادة احتياطيات الذهب.
هذه العوامل تشير إلى أن الذهب قد يظل قويًا نسبيًا، لكن من الصعب تحديد ما إذا كان سيحقق ارتفاعًا بمقدار 120 ضعفًا مرة أخرى خلال الخمسين سنة القادمة. الأمر يعتمد على: هل ستشهد الأنظمة الاقتصادية تغييرات جذرية، وهل ستستمر الاضطرابات الجيوسياسية، وهل ستغير التكنولوجيا الطلب على الذهب.
على أي حال، من غير المرجح أن يتغير مكانة الذهب كملاذ آمن وأداة للتداول بالفروقات. على المستثمرين أن يختاروا استراتيجيتهم بناءً على قدرتهم على تحمل المخاطر، وأفق استثمارهم، وظروف السوق، سواء بالمشاركة في السوق الصاعد أو باستخدامه كأداة دفاعية في إدارة الأصول.